تتميز العلاقات الاميركية - الايرانية منذ وصول الاسلاميين لسدة الحكم
في ايران منذ 33 سنة حتى اليوم بنوع من التكتيك الاستخباري الذي يحيك
الترابط المعقد بين المواقف العلنية والممارسات السرية خدمة لمصالح كل من
اميركا وايران، وهذا ما يربك ويشتت متابعة الصحافة لطبيعة وحقيقة هذه
العلاقات. تارةً يصفها الاعلام بالحرب الباردة التي ستمهد لحرب ساخنة،
وتارةً بالمقطوعة استناداً الى تصريحات الغرب واميركا عن العقوبات المفروضة
على ايران بسبب برنامجها النووي، ويأتي تهديد اسرائيل بضرب ايران منفردة
اذا طلب منها ذلك.
كل هذا الصخب العالي النبرة هو جوهر ما تريده الادارة السياسية في اميركا والمرجعية الدينية في ايران، وهذا التكتيك يسمى (المرايا المضللة) اي ان السياسيين الاميركيين والايرانيين يظهرون في مواقفهم من بعضهم البعض عكس ما يبطنون وذلك لبقاء نفوذهم وحكمهم وخدمة مصالحهم.
مثلاً: يجب ان تبقى ايران البعبع الذي يهدد ويرعب دول الخليج كي تستطيع اميركا بيع المزيد من السلاح لهذه الدول، والدليل هو فترة حكم الرئيس (محمود احمدي نجاد) التي تميزت بالتحدي السافر للغرب ولاميركا والتهديد بزوال اسرائيل ودعم (حماس وحزب الله) ولقد حققت اميركا والغرب خلالها اكبر صفقات اسلحة في التاريخ الى دول الخليج وقدمت احدث المنظومات الدفاعية والهجومية لاسرائيل، وعليه يجب ان تمنع اميركا وساماً اقتصادياً الى (احمدي نجاد) لكن التكتيك (الايرو - اميركي) السري يقتضي عكس ذلك.
مثال آخر: في ذروة ازمة الرهائن في السفارة الاميركية في طهران كتبت عشرات الصحف مقالات تؤكد وقوع حرب عسكرية اميركية ضد ايران لتحرير الرهائن لأن الدستور الاميركي يعطي الرئيس الحق بمثل هذه الضربة؟ لكن الحقيقة: انه في شهر ايلول 1980 عقد لقاء سري في المانيا بين نائب وزير الخارجية الاميركية في عهد الرئيس (جيمي كارتر) السيد وارين كريستوفر وابرز المقربين من الامام الخميني السيد (صادق طبطبائي) واتفق الاثنان على تحديد موعد للافراج عن الرهائن مقابل اعطاء ايران صفقة اسلحة مجانية بقيمة (400 مليون دولار) في الوقت الذي كان جمهور الثورة الاسلامية لا يزال يحاصر السفارة الاميركية في طهران. في تلك الايام كانت اميركا على ابواب معركة انتخابات رئاسية بين الجمهوريين والديموقراطيين وتم تسريب خبر لقاء المانيا الى فريق الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري اي فريق (ريغان - بوش) الذي اعتبر ان نجاح الصفقة يعني فوز الديموقراطيين بمنصب الرئاسة، وهنا استنفر هذا الفريق واجرى اتصالات سرية مكثفة توجت بلقاء رفيع المستوى في باريس ضم عن الجانب الاميركي (جورج بوش الاب وليم كيسي وريتشارد آلن وفريد أكيل ولورانس سيلبرمان) وعن الجانب الايراني (آية الله محمد بهشتي وحجة الاسلام علي رفسنجاني ومحسن رفيق دوست) وقد اتفق المجتمعون على تأجيل الافراج عن الرهائن لما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية مقابل مضاعفة الصفقة التي عقدتها ادارة كارتر، وهذا ما تم بعد فوز (رونالد ريغان) في تشرين الثاني 1980 وهنا نستذكر فضيحة (ايران - غيت) اثناء الحرب العراقية - الايرانية.
خدمة المصالح: اثناء الحربين على افغانستان والعراق شنّت الصحافة الايرانية حملة سياسية شعواء على الادارة الاميركية، وكانت هذه الحملة عملية ذر رماد في عيون الصحافة العالمية لأن المستفيدة الاكبر من نتائج هاتين الحربين هي ايران حيث ان الدولتين مجاورتان لها ومن مصلحتها زوال النظامين فيهما
اولاً: من مصلحة ايران ازالة نظام (صدام حسين) بعد ثماني سنوات من الحرب معه كلفتها آلاف الضحايا ومليارات الدولارات.
ثانياً: من مصلحة ايران ازالة نظام طالبان المعادي لها والذي تعتبره (مذهبياً ومتعصباً).
وكان في زوال النظامين مصالح مشتركة لكل من اميركا وايران، لذلك يجب الاّ نفاجأ بأي تبديل مثير اليوم في العلاقات الاميركية - الايرانية، اما الحصار الاقتصادي المفروض على طهران فهو مجرد ضغط هدفه تعديل النظام وليس اسقاطه وقد قال هذا سابقاً (جورج بوش): إنني لا اعتزم مهاجمة ايران قبل ان اغادر البيت الابيض، وقالتها (كونداليزا رايس): ليس لدينا نية للتصعيد الاستراتيجي ضد ايران، وقالها اليوم (باراك اوباما): نحن لا نسعى الى اسقاط النظام الايراني.
ويأتي التحرك الجديد المرن للرئيس (حسن روحاني) استكمالاً لادارة العلاقات الاميركية - الايرانية بما يتماشى مع الملفات الدولية والاقليمية تبعاً لمصالح البلدين، وما يتردد عكس ذلك مجرد رؤية سطحية تفتقر الى التحليل التاريخي العميق رغم الموقف الذي صدر عن المرشد الاعلى (علي خامنئي) رداً على تحركات الرئيس روحاني وانتقاده الاتصال الهاتفي مع الرئيس اوباما، وابداء عدم الثقة بالادارة الاميركية متهماً اياها بالخضوع لسيطرة الصهيونية العالمية وتهديدة لاسرائيل رداً على تهديداتها: كل هذه الملاحظات الجديدة والهامة لا تغيّر من اتجاه بوصلة المصالح المشتركة بين واشنطن وطهران، ويجب الاّ ننسى التركيبة الدينية الهرمية في ايران ومبدأ البيعة للامام المرشد الولي الفقيه وانه لو لم يمنح الرئيس روحاني الاذن من المرشد الاعلى لما قام بهذه المبادرة الديبلوماسية كما ان كلمته ولقاءاته في الامم المتحدة مع مسؤولي دول العالم كانت بتوجيهات قائد الثورة ومرشدها لايصال رسالة الشعب الايراني الداعية للسلام والمحبة في العالم.
وهنا نقول: يجب على الادارة الاميركية انتهاج سياسة اكثر عدلاً وموضوعية في العالم عامةً والشرق الاوسط خاصةً وايجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي ما يعيد صدقيتها لدى الشعوب العربية والاسلامية ودورها الفاعل والاساسي في سياسات العالم والمنطقة.
المصدر: بقلم عهد بكري
كل هذا الصخب العالي النبرة هو جوهر ما تريده الادارة السياسية في اميركا والمرجعية الدينية في ايران، وهذا التكتيك يسمى (المرايا المضللة) اي ان السياسيين الاميركيين والايرانيين يظهرون في مواقفهم من بعضهم البعض عكس ما يبطنون وذلك لبقاء نفوذهم وحكمهم وخدمة مصالحهم.
مثلاً: يجب ان تبقى ايران البعبع الذي يهدد ويرعب دول الخليج كي تستطيع اميركا بيع المزيد من السلاح لهذه الدول، والدليل هو فترة حكم الرئيس (محمود احمدي نجاد) التي تميزت بالتحدي السافر للغرب ولاميركا والتهديد بزوال اسرائيل ودعم (حماس وحزب الله) ولقد حققت اميركا والغرب خلالها اكبر صفقات اسلحة في التاريخ الى دول الخليج وقدمت احدث المنظومات الدفاعية والهجومية لاسرائيل، وعليه يجب ان تمنع اميركا وساماً اقتصادياً الى (احمدي نجاد) لكن التكتيك (الايرو - اميركي) السري يقتضي عكس ذلك.
مثال آخر: في ذروة ازمة الرهائن في السفارة الاميركية في طهران كتبت عشرات الصحف مقالات تؤكد وقوع حرب عسكرية اميركية ضد ايران لتحرير الرهائن لأن الدستور الاميركي يعطي الرئيس الحق بمثل هذه الضربة؟ لكن الحقيقة: انه في شهر ايلول 1980 عقد لقاء سري في المانيا بين نائب وزير الخارجية الاميركية في عهد الرئيس (جيمي كارتر) السيد وارين كريستوفر وابرز المقربين من الامام الخميني السيد (صادق طبطبائي) واتفق الاثنان على تحديد موعد للافراج عن الرهائن مقابل اعطاء ايران صفقة اسلحة مجانية بقيمة (400 مليون دولار) في الوقت الذي كان جمهور الثورة الاسلامية لا يزال يحاصر السفارة الاميركية في طهران. في تلك الايام كانت اميركا على ابواب معركة انتخابات رئاسية بين الجمهوريين والديموقراطيين وتم تسريب خبر لقاء المانيا الى فريق الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري اي فريق (ريغان - بوش) الذي اعتبر ان نجاح الصفقة يعني فوز الديموقراطيين بمنصب الرئاسة، وهنا استنفر هذا الفريق واجرى اتصالات سرية مكثفة توجت بلقاء رفيع المستوى في باريس ضم عن الجانب الاميركي (جورج بوش الاب وليم كيسي وريتشارد آلن وفريد أكيل ولورانس سيلبرمان) وعن الجانب الايراني (آية الله محمد بهشتي وحجة الاسلام علي رفسنجاني ومحسن رفيق دوست) وقد اتفق المجتمعون على تأجيل الافراج عن الرهائن لما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية مقابل مضاعفة الصفقة التي عقدتها ادارة كارتر، وهذا ما تم بعد فوز (رونالد ريغان) في تشرين الثاني 1980 وهنا نستذكر فضيحة (ايران - غيت) اثناء الحرب العراقية - الايرانية.
خدمة المصالح: اثناء الحربين على افغانستان والعراق شنّت الصحافة الايرانية حملة سياسية شعواء على الادارة الاميركية، وكانت هذه الحملة عملية ذر رماد في عيون الصحافة العالمية لأن المستفيدة الاكبر من نتائج هاتين الحربين هي ايران حيث ان الدولتين مجاورتان لها ومن مصلحتها زوال النظامين فيهما
اولاً: من مصلحة ايران ازالة نظام (صدام حسين) بعد ثماني سنوات من الحرب معه كلفتها آلاف الضحايا ومليارات الدولارات.
ثانياً: من مصلحة ايران ازالة نظام طالبان المعادي لها والذي تعتبره (مذهبياً ومتعصباً).
وكان في زوال النظامين مصالح مشتركة لكل من اميركا وايران، لذلك يجب الاّ نفاجأ بأي تبديل مثير اليوم في العلاقات الاميركية - الايرانية، اما الحصار الاقتصادي المفروض على طهران فهو مجرد ضغط هدفه تعديل النظام وليس اسقاطه وقد قال هذا سابقاً (جورج بوش): إنني لا اعتزم مهاجمة ايران قبل ان اغادر البيت الابيض، وقالتها (كونداليزا رايس): ليس لدينا نية للتصعيد الاستراتيجي ضد ايران، وقالها اليوم (باراك اوباما): نحن لا نسعى الى اسقاط النظام الايراني.
ويأتي التحرك الجديد المرن للرئيس (حسن روحاني) استكمالاً لادارة العلاقات الاميركية - الايرانية بما يتماشى مع الملفات الدولية والاقليمية تبعاً لمصالح البلدين، وما يتردد عكس ذلك مجرد رؤية سطحية تفتقر الى التحليل التاريخي العميق رغم الموقف الذي صدر عن المرشد الاعلى (علي خامنئي) رداً على تحركات الرئيس روحاني وانتقاده الاتصال الهاتفي مع الرئيس اوباما، وابداء عدم الثقة بالادارة الاميركية متهماً اياها بالخضوع لسيطرة الصهيونية العالمية وتهديدة لاسرائيل رداً على تهديداتها: كل هذه الملاحظات الجديدة والهامة لا تغيّر من اتجاه بوصلة المصالح المشتركة بين واشنطن وطهران، ويجب الاّ ننسى التركيبة الدينية الهرمية في ايران ومبدأ البيعة للامام المرشد الولي الفقيه وانه لو لم يمنح الرئيس روحاني الاذن من المرشد الاعلى لما قام بهذه المبادرة الديبلوماسية كما ان كلمته ولقاءاته في الامم المتحدة مع مسؤولي دول العالم كانت بتوجيهات قائد الثورة ومرشدها لايصال رسالة الشعب الايراني الداعية للسلام والمحبة في العالم.
وهنا نقول: يجب على الادارة الاميركية انتهاج سياسة اكثر عدلاً وموضوعية في العالم عامةً والشرق الاوسط خاصةً وايجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي ما يعيد صدقيتها لدى الشعوب العربية والاسلامية ودورها الفاعل والاساسي في سياسات العالم والمنطقة.
المصدر: بقلم عهد بكري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق